U3F1ZWV6ZTU1MjI4MjY1ODc1ODM4X0ZyZWUzNDg0Mjc2NTc1MDMyMA==

 




الراعي وابنة السلطان المغرورة

.

.

,

في بلاد تدعى أرمين كان سلطان ولجيه ابنة جميلة, إسمها زهرة . وأراد أن يزوجها بعد أن صار عمرها عشرين سنة. فارتأى أن يزوجها لأحد الأمراء. وبدأ باستقبالهم في قصره, وعرضهم على ابنته واحدا تلو الآخر. لكن ابنته زهرة, كانت مدللة للغاية، وكانت تطلب أوصافا أقرب إلى الكمال، يشترط توفرها في الأمير، لتقبل به زوجا لها. فصارت تعيب كل من تقدم لطلب يدها، فهاذا قصير والآخر سمين، وذاك أحول، والآخر أنفه كبير. حتى جاءها أمير لا يعيبه شيء، كان حسن الخلقة، طويل القامة و ذو بنية جسدية قوية. فقال السلطان في نفسه :  هذا الأمير لا يمكن لفتاة عاقلة رفضه وستقبل به ابنتي زهرة بلا شك. لكن! خاب ظنه عندما سمع عبارات الرفض والسخرية من ابنته. استشاط السلطان غضبا بعدما صار غير قادر على تحمل أفعال ابنته الصبيانية, زد على ذلك تسببها في مشاكل مع ملوك وأمراء البلدات الأخرى بسبب سخريتها من من تقدم منهم للزواج بها.
فقرر أن يوقف غرورها  وأعلن في الناس خبرا أذهل جميع سكان البلاد. فلقد قرر أن الزواج من ابنته رهين فقط بتحقيق شرط واحد، ألا وهو جعله يضحك. وقرر هذه المرة أن لأي شخص الحق في التقدم لهذا الاختبار, سواء كان من الأمراء أو من العامة. حاولت زهرة أن تثنيه عن قراره, لكن دون جدوى. في يوم الإختبار, اكتظت ساحة القصر بالراغبين في الزواج من ابنة الحاكم، وكان من بين الحضور حرفيون ورعاة غنم وأناس عاديون ولم يكن بينهم أي أمير. لأن الأمراء لم يرضو بهكذا شروط. 
تقدم للاختبار أولا فلاح من البلدة, وحاول إضحاك السلطان بشتى الطرق، فكان يقفز ويرقص ويغير من ملامح وجهه، لكن لم يضحك السلطان أو يبتسم حتى. توالى المتقدمون لخطبة الأميرة واحدا تلو الآخر، والكل يفعل ما بجهده لإضحاك الحاكم، لكن دون جدوى. حتى جاء الدور على راعي غنم اسمه فلان. فتقدم صوب السلطان وقال له : أعدك يا مولاي إن أنت زوجتني الأميرة أنني سأتقاسم معها أعمال البيت وأكون لها خير معين. قال السلطان : وكيف ذلك. قال : هي يا مولاي تطبخ وأنا آكل، هي تغسل وأنا ألبس، هي تجهز السرير وأنا أنام. 
ويا للمفاجأة! فلقد ضحك السلطان أخيرا حتى دمعت عيناه من شدة الضحك. وتقرر بذلك أن راعي الغنم فلان قد ظفر بابنة السلطان زوجة له. 
<><>




لم تحاول زهرة أن تعارض قرار أبيها لأنها تعلم جيدا أن قراراته لا رجعة فيها. أقيمت مراسيم الزفاف وبعدها مباشرة أمسك الراعي يد الأمير وصار بها متجها نحو خيمته المترامية في أطراف البلدة وفي طريقه حاول الراعي فلان أن يفتتح الحديث مع الأميرة، ويلطف الأجواء. لكن الأميرة كانت تدير وجهها للجهة الأخرى متجاهلة إياه. وبعد أن سارا لمدة من الزمن تعبت الأميرة ولم تعد تقوى على المسير لأنها لم تكن معتادة على المشي لمسافات طويلة. فقال لها فلان : "سنجلس ونرتاح قليلا لكن عليك أن تعتادي على الوضع لأن عملي في الرعي يتطلب المشي لمسافات طويلة، لأنني من الرعاة الرحل لذلك لا يصلح لي أن أمكث في مكان واحد لأكثر من أسبوع وذلك لأن الأغنام تحتاج دوما إلى تغيير المرعى بعد استهلاكهم لكل العشب فيه." لم تتقبل الأميرة كلام الراعي لكن ليس بيدها حيلة. 
و بعد أن استراحى قليلا، تابعا سيرهما حتى وصلى الخيمة حيث يستقر الراعي. وكان الوقت مغربا ساعتها. فأرادت الأميرة أن تستلقي وتستريح لكن الراعي قال لها : اذا استلقيتي من سيعد لنا العشاء. سأذهب لأحضر الحطب وأنتي قومي بغسل الخضر وتقطيعها ريثما أعود. ذهب فلان لإحضار الحطب، فلما عاد وجد الأميرة قد غطت في نوم عميق. فقام باعداد العشاء وتناوله بمفرده. ونام. استيقظت الأميرة في منتصف الليل بعد أن أحست بالجوع الشديد يمحق أمعاءها، قامت من مكانها وبحثت عن طعام تسكت به جوعها فلم تجد شيء. وبقيت جالسة تنتظر طلوع الصباح. فلما حل الفجر، صحى فلان ووجد زهرة جالسة في مكانها، فأخبرها بأن تستعد للإنتقال إلى منطقة أخرى حيث يكون العشب فيها وفيرا من أجل الأغنام.
<><>



 وبعد أن جمعا الأمتعة وسارا  لمسافة طويلة، لاحظ فلان أن وجه الأميرة صار شاحبا من شدة الجوع والإرهاق. فتوقف وأخبرها بانهما سيرتاحان قليلا ثم يواصلان سيرهما. وأخرج فلان بعض البيضات من حقيبته الجلدية وطهاهما ونادا على زهرة لتتناول الفطور، فجاءت مسرعة من شدة جوعها والتهمت حصتها وحصة فلان ولم تترك شيء. ابتسم فلان وقام واتخذ ظل شجرة متكأ له ليرتاح فيه ونصح الأميرة بأن تفعل مثلما فعل لتستريح، خاصة أنها لم تنم الليلة الفائتة. وبعد أن أحس أن الأميرة أخذت قسطا كافيا من الراحة قاما وتابعا سيرهما حتى وصلا واديا عميقا يجري بأسفله نهر. وكان ذلك المكان هو مقصد الراعي فلان. فوضع أمتعته ونصب الخيمة وقال للأميرة : "سأنزل للنهر أسفل الوادي لأحضر الماء، وأنتي أعدي لنا ما نأكله وانتبهي للأغنام ريثما أعود." كانت الأمير لا تفقه شيء في الطبخ فقامت بسلق الخضر وجلست تنتظر رجوع فلان من النهر. وهي جالسة بدأت تفكر بطريقة  تجعل فيها الراعي فلان ينفرها ويقوم بتطليقها وإعادتها للقصر. وكانت هذه خطتها من البداية لتتخلص منه. فكرت وفكرت واهتدت الى خطة ماكرة. فقامت بالاقتراب من قطيع الأغنام وانتقت أفضل خروف في القطيع وقامت باقتياده نحو حافة الوادي وألقت به من القمة فسقط في النهر. وكان غرضها إلحاق الخسارة بزوجها ولتظهر له أنها زوجة مهملة ويتيقن أنها غير صالحة للمعاشرة فيرجعها لأبيها. وما هي إلا لحظات حتى عاد الراعي وهو يحمل الخروف الهالك فوق كتفه وأخبرها أنه لحقه قبل أن يلفظ آخر أنفاسه ونحره ليحلل أكله. ثم قام الراعي فلان بسلخ جلده ووضعه تحت نار هاءئة حتى نضج واستوى. ودعى زهرة وأكلوا حتى أشبعو جوعهم. فلما فرغوا من أكلهم قال فلان لزهرة : إن قطيع الأغنام الذي أرعاه ليس بملك لي بل يعود لسيدي مالك. وغدا سنجمع أمتعتنا ونتوجه نحو قصره لأقابله وأحكي له ما وقع للخروف وأنه سقط من حافة الوادي ونرى ماذا سيكون رده. 
<><>



انطلق فلان يقصد قصر سيده مالك، وزهرة تتبعه من خلفه، فلما وصلا القصر دخله فلان بمفرده وترك الأميرة تنتظره بالخارج. لم يتأخر فلان كثيرة في العودة، لكنه جاء برفقة سيدة كبيرة السن فقال: إن السيد مالك مستاء جدا من فقدان أحد خرفانه خاصة ذلك الخروف لأنه كان يستعمله في تحسين سلالة القطيع، وقد أخبرته بأمر استئماني للخرفان معك، ورأى أنه يجب على أحدنا أن يعمل عنده في القصر لمدة  شهر حتى يستخلص ثمن الخروف الهالك. فما رأيك يا زهرة في هذا الأمر. 
أدركت الأميرة الورطة التي أوقعت نفسها فيها وأنه لا مفر من أن تعمل في القصر لعدم قدرتها على رعاية قطيع الأغنام بمفردها إن هي تركت فلان يعمل بداخل القصر. فأخبرت فلان بأنها ستعمل هي داخل القصر. فوافق وودعها على أن يعود إليها بعد انقضاء الشهر. واصطحبتها السيدة العجوز التي جاءت برفقة فلان إلى داخل القصر، وبالضبط إلى مطبخ القصر. ثم قالت لها: أنا أمينة القصر وقد كلفني سيدي مالك أن أرافقك في المطبخ لمدة أسبوع، وأن أعلمك كيف تطبخين المأكولات التي يحبها سيدي. وبالفعل بدأت بتعليمها أساسيت الطبخ لكن زهرة لم تأخذ الأمر بجدية وكانت لا تركز كثيرا في التعلم. وبعد انقضاء الأسبوع. أمرتها أمينة القصر بأن تعد لسيدها طبقا من الأطباق التي يحبها. فحارت ولم تعرف من أين تبدأ فارتجلت طبخة غريبة.  فراحت بها أمينة القصر عند السيد مالك  وما هي إلا لحظات قليلة حتى عادت وقالت لزهرة : إن السيد مالك غاضب بسبب الطعام الغريب الذي طهوته له. وعقابا لك على إهمالك واستهتارك ستحصلين على وجبة واحدة في اليوم. والأن ستعودين للتعلم وبعد أسبوع إن لم تستطيعي تعلم الطهي فستمدد فترة بقائك معنا. لم تعر زهرة اهتماما لتهديدات أمينة القصر وظنت أن البقاء في القصر حتى ولو كانت تتناول في اليوم  وجبة واحدة فقط لهو خير لها من العيش مع الراعي الفقير. مرة الأيام وانقضى الشهر ولم تتعلم الأميرة الطبخ، وعوقبت بتمديد مدة عملها في القصر لشهر آخر. كانت الأميرة لا تغادر القصر مطلقا وتمضي وقتها بين المطبخ و الغرفة حيث تقيم.
<><>





 ومع توالي الأيام بدأت تشعر بالضجر والوحدة وحنت إلى أيامها في قصر والدها أو على الأقل الى الايام التي قضتها مع زوجها الراعي وهي تتجول من مكان لآخر. فعقدت العزم على تعلم الطهو لتستطيع مغادرة أصوار القصر. وفعلا، فبعد مرور أسبوع على القرار الذي اتخذته تمكنت من طهو أول طبق والذي نال استحسان السيد مالك و صارت من يومها تطهو للسيد أشهى الأطباق. وأخيرا انقضى الشهر الثاني. ولأول مرة منذ شهرين ترى فيها الأميرة نور أشعة الشمس. وأحست بسعادة لا مثيل لها وأحست بنعمة الحرية مجددا. وما إن خطت  خطوة خارج أصوار القصر حتى لمحت الراعي فلان ينتظرها وتظهر عليه ملامح الفرحة لعودتها. ورحب بها ثم سارا نحو الخيمة ولما وصلا أعدت له الأميرة طعاما لم يتناول مثله قط. وبعد أن انتهى من تناول طعامه اقتربت منه الاميرة وقالت له : لقد إشتقت إلى والدي وعائلتي في القصر و أريد منك أن تسمح لي بزيارتهم والإطمئنان على حالهم، وأتمنى منك أن لا ترفض طلبي. 
وبعد القليل من التفكير وافق الراعي على طلبها شريطة أن يصطحبها للقصر ثم يغادر على أن يعود إليها بعد انقضاء أسبوع. ولأن الأميرة رافقت الراعي مدة من الزمن، فلقد كانت تعلم أنه يعشق تناول أذني الخروف مشوية على الفحم. ووعدته أنها ستحتفظ له بأذني الخروف الذي سيذبحه أبوها الحاكم احتفالا بزيارتها له. الى حين مجيئه لاصطحابها. سعد الراعي بعرض زوجته الأميرة و لم يكن يعلم أنها تخطط لأمر ما ولو علم لما سمح لها بالذهاب للقصر. وبعد أن اوصلها باب القصر قابل هناك جنود الحاكم الذين كان الحاكم قد أوصاهم بمعاملة الراعي على أنه فرد من أفراد العائلة الحاكمة، يدخل ويخرج القصر متى شاء. فألقى التحية عليهم وهم بالعودة الى خيمته وأغنامه. وهو يستعد للمغادرة نادت عليه زوجته الأميرة قائلة له: أتريد أذنا أم الإثنتين معا. 
<><>




فرد عليها مبتسما الإثنتين معا ثم غادر. وبقيت الأميرة تراقبه حتى اختفى عن الأنظار وعادت مسرعة عند الجنود وهي تبكي وتولول وتقول للجنود: لقد زوجني والدي لهذا الرجل ظنا منه أنه راعي غنم بسيط، لكنه ليس كذلك، بل هو ساحر لعين. لقد ألقى علي تعويدة الطاعة لأطيعه ولا أرفض له طلبا، وطلب مني أن أقطع أذني والدي السلطان وأجلبها له ليلقي عليها تعويدة يصير بعدها الحاكم يسمع لكل طلباته ورغباته. وقد سمعتم ذلك بأنفسكم، ولحسن الحظ أن قصرنا محصن ضد مثل هذا السحر، ولهذا بطلت تعويدة الطاعة التي ألقاها علي فور دخولي القصر. والآن أريد منكم أن تمنعوه من دخول القصر مستقبلا. ولا تجعلوه يقترب منكم كثيرا لأنه قادر على القاء تعويدة عليكم تجعلكم عبيدا له.
 وكان غرض الأميرة من ذلك هو منعه من الاقتراب حتى لا يحكي لهم الحقيقة. 
صدقها الجنود وأسرعوا باخبار السلطان، لم يدري السلطان ما الذي عليه فعله وكان يستفسر ابنته زهرة عن الأمر حتى يتيقن مما تقوله لكن زهرة كانت تحس أن أباها متردد في تصديق حديثها. ومع ذلك فلم يكن للسلطان خيار غير أن يغير على الراعي ويقتله. فاستدعى رئيس جنده وأمره بتهييئ كتيبة من الجنود الشجعان ليغيروا على الراعي. لم ترد الأميرة أن يصير الحال على ما آل إليه وخافت أن يقوم والدها السلطان بقتل زوجها الراعي المسكين وهو الذي كان يعاملها بحب واحترام وليس له أي ذنب في ما ابتلت عليه الأميرة. فقررت أن تقنع والدها بالعدول عن رأيه بقتل الراعي دون أن تعترف له بكذبتها، بأن تتحجج له بأنه كان يعاملها باحترام ولم يسئ إليها قط إلا هذه المرة. لكن السلطان قرر وانتهى. وكان قراره أن ينطلق صباح اليوم الموالي ليبحث عن الراعي وينتقم منه. 
<><>




لم تستوعب الأميرة أنها ستكون سببا في زهق روح شخص بريئ خاصة وأنه زوجها. فقررت أن تتسلل خارج القصر فور حلول الظلام وتبحث عنه وتخبره بالأمر كله. وذلك ما حدث، فلقد تسللت ليلا دون أن يراها الحراس وانطلقت باحثة عن زوجها الراعي. بحثت وبحثت وبعد عناء طويل وجدته أخيرا. فلما رآها في تلك الحالة وقدماها متورمتان، قام باشعال النار واعد لها كأس شاي بالقرفة حتى تستعيد صحتها. فلما أحست أنها بخير حكت له كل ما وقع معها والمصيبة التي أوقعته فيها وكذبها عليه. وطلبت منه أن يهرب قبل وصول كتيبة والدها السلطان وإلا فسوف يهلك. سكت الراعي قليلا ثم قال لها لن أهرب وسأواجه السلطان بالحقيقة. 
قاطعت الأميرة حديثه قائلة: ماذا لو سبق سيفه قولك. 
فأخبرها أنه مؤتمن على قطيع الغنم وأنه لن يهرب ويترك الأغنام لوحدها. فأخبرته أنها هي من سيتكفل بأمر الغنم وقالت له : أتوسل إليك أن تهرب لأنني لن أتيق العيش إن أنا كنت السبب في هلاكك. 
وأعدك أنني فور عودتي للقصر فسأصارح والدي السلطان بحقيقة أنني اختلقت كذبة السحر لأورطك وأعود أنا للقصر وسأقبل آنذاك بأي حكم حكم علي. 
وافق الراعي على أن تعطيه عهد الله أنها ستعتني بالأغنام وترعاها كما لو كان هو. 
فعاهدته على ذلك وانطلق مبتعدا نحو وسط الغابة. 
حل الصباح وإذا بكتيبة السلطان تقترب من الأميرة وكانت الأميرة قد غيرت ملابسها ووضعت لثاما على وجهها لألا ينكشف أمرها. فلما وصل عندها السلطان سألها : من أنت أيتها الحرمة وأين هو صاحب القطيع. 
<><>




فقالت الأميرة : أنا أخت راعي الغنم ولقد ذهب قاصدا قصر السلطان ليجلب زوجته زهرة من هناك. فعاد السلطان وكتيبته أدراجهم مسرعين نحو القصر. 
مرت الأيام والأسابيع وزهرة مرابطة على رعاية الأغنام والتنقل بهم من مرعى لآخر وهي التي لم تكن متعودة على فعل ذلك بمفردها لكنها تحملت هذه المرة مشقة الرعي وأدركت العمل المرهق الذي كان يقوم به زوجها الراعي وهي التي كانت تأبى تحمل مسؤولياتها تجاجهه بل وكانت تحاول التسبب له في الخسارة حتى يتخلى عنها ويعيدها لقصر أبيها. والآن وقد وعت بخطئها وندمت على تصرفها، فقد قررت أن تصححه وتذهب عند أبيها وتبوح له بكل ما فعلته وتخبره أن زوجها الراعي بريئ مما نسبته إليه. فانطلقت تسوق القطيع نحو قصر أبيها السلطان فقطعت مسافة طويلة حتى وصلت الى مكان لم تجد فيه ما تطعمه للقطيع لأن طريق القصر كانت جرذاء ولا عشب عليها، فاضطرت للعودة الى المكان من حيث أتت حتى لا يهلك القطيع من شدة الجوع والعطش، وكررت المحاولة مرات عديدة مع تغيير الطريق كل مرة لكن دون جدوى. وكان الراعي فلان وحده من يعرف طريقا تؤمن للقطيع طعامه وشرابه في الطريق المؤدية للقصر. حارت الأميرة ولم تدر ما تفعله فقطيع الغنم أمانة في رقبتها ولا تستطيع التخلي عنه والتوجه نحو القصر لمقابلة أبيها. وبينما هي حائرة ومنهارة، حتى بدأت الأمطار تتهاطل بغزارة ودون انقطاع. طارت الأميرة من الفرح لأنها أدركت أن المطر سينقذها من ورطتها، وذلك بأن تصبر وتنتظر لأسبوع آخر حتى ينمو العشب ثم تنطلق في اتجاه القصر. مر الأسبوع وانطلقت الأميرة مجددا وقطيع الأغنام تقصد قصر أبيها. كانت الأراضي القاحلة قد تحولت الى مروج خضراء وبرك الماء قد امتلأت عن آخرها، فلم تجد الأميرة عقبة تصدها عن الوصول الى القصر، وما هي إلا ثلاثة أيام حتى بدأ بنيان القصر يتراءى لزهرة من بعيد وكان شعورها عبارة عن فرح ممزوج بخوف من ردة فعل أبيها السلطان عند وإخباره بالحقيقة. 
<><>




وبينما هي منهمكة في التفكير تفاجأت بأبواق التحذير تنطلق من جنود بوابة القصر وتأمرها ألا تتقدم أكثر وإلا سيطلقون سهامهم نحوها. ويا لها من ورطة أخرى وضعت الأميرة نفسها فيها، فهي التي أخبرت الجنود بعدم السماح للراعي أن يقترب من القصر وأوهمتهم بأنه ساحر خطير ويستطيع التلاعب بعقولهم إن هو استطاع الإقتراب منهم، وعرفت أن الجنود يظنون أن الراعي ينتحل شكلها لأنهم متأكدون من أن الأميرة مازالت داخل القصر ولم تغادره.
وفجأة ودون سابق إنذار قام جنود القصر باطلاق مجموعة من الكلاب الشرسة تجاه الأميرة وقطيع الأغنام. خافت الأميرة وتجمدت في مكانها من شدة الخوف. 
هجمت الكلاب على القطيع وقتلت بعضها والبعض الآخر فر بجلده ثم توجهت الكلاب نحو زهرة لتفعل بها كما فعلت بالأغنام، ويا للمفاجأت فقد تعرفت كلاب القصر على الأميرة ولم يؤذوها. تنفست الأميرة الصعداء. لكنها كانت حزينة على قطيع الأغنام الذي لم يتبق فيه سوى أغنام تعد على رؤوس الأصابع. لكنها قررت أن تستغل تعرف كلاب القصر عليها لتأكد لجنود القصر أنها زهرة بعينها وقامت بالإقتراب من الجنود حتى توضح لهم الأمر. لكن الجنود كانوا خائفين منها ظنا منهم أنها هي الراعي الساحر وقد قام بسحر كلاب القصر بعدما أن اقتربوا منه، فوجهوا سهامهم نحو الأميرة، وظنت أنها لحظاتها الأخيرة. فخرت على ركبتيها وهي تتوسل إليهم أن يصدقوها. وفي اللحظة الأخيرة وقبل أن تنطلق سهام الجنود، سمعو صوتا بعيدا يأمرهم بالتوقف، فإذا به السلطان يرافقه كتيبة الجند وهم يقتادون الراعي مكبل اليدين. قامت الأميرة وركضت نحو أبيها السلطان وقبلت يديه وهي تبكي وتطلب منه أن يغفر لها ويسامحها على كل ما فعلته. استغرب السلطان قولها واستفسرها عن الأمر. فباحت له بفعلتها من أول ما تزوجت بالراعي حتى اليوم الذي افترت عليه وقذفته بالسحر. أمر السلطان جنوده بأن يفكوا قيد الراعي فورا وطلب منه الصفح والعفو وقرر أن يلحق بالأميرة عقابا يناسب حجم الفعل الذي ارتكبته. 
<><>




وهنا تدخل الراعي فلان وأخبر السلطان أنه قد سامح الأميرة ولا يبغي قصاصا منها واستأذن من السلطان أن يجمع ما تبقى من القطيع ويغادر إلى حال سبيله. تمنت الأميرة لو أن الأرض تنشق وتبتلعها من شدة الذنب الذي أحست به ساعتها جراء ما فعلته وآذت به زوجها الراعي وبالمقابل العفو والمروءة التي أظهرها رغم كل المصائب التي انهالت عليه بسببها. وبينما كان الراعي يهم بالمغادرة نادت عليه الأميرة وقالت له: دعني أكفر عن ذنبي وأصلح شيئ من ما أفسدته. 
قال الراعي :  كيف ذلك 
قالت الأميرة سأعمل لدى سيدك مالك لأعوض الأغنام الهالكة حتى ولو اضطرني ذلك للعمل عنده بقية حياتي وان قدر الله وكتب لنا عمرا مديدا فسأخرج وأكون لك نعم الزوجة ونعم السند والرفيق. قالتها الأميرة وهي تبكي بحرقة وتتمنى أن يقبل الراعي طلبها. 
فلما رأى الراعي إصرارها على كلامها وافق وانطلقا نحو قصر سيده مالك فلما وصلى أخبرها أنه سيدخل ليقابل سيده ثم يرجع ليخبرها بما دار بينهما. دخل الراعي فلان القصر وبعد برهة خرج مطأطأ رأسه وتبدو عليه علامات الحزن. فسألته عن طلبات سيده فرد عليها قائلا : إن سيدي فلان طلب منا أن نعمل عنده 5 سنوات لكل واحد منا حتا نوفيه حق الغنمات التي ضاعت منا. قالت الأميرة : لا ذنب لك أنت في كل ما وقع، سأعمل عند السيد مالك خمس سنوات بالاضافة الى الخمس الأخرى الخاصة بك ولا أريدك أن تمنعني من ذلك فأنا من أوصلتك لهذه الحالة وأنا التي عليها تحمل كل العواقب واتجهت مسرعة الى داخل القصر وهي تدرف دموع الحصرة لأنها تعلم أنها لن ترى النور الا بعد مرور العشر سنوات، لكن ليس بيدها حيلة فعليها إصلاح كل ما أفسدته. 
<><>




فلما دخلت القصر وجدت أمينة القصر تنتظرها واصطحبتها نحو شقتها لتغير ملابسها وتبدأ العمل. فلما طهت الأطباق التي كانت قد تعلمتها من قبل، جاءت أمينة القصر وأخبرتها أن السيد مالك يريد منها هي أن تقدم له الطعام هذه المرة. 
لم تتفاجئ زهرة لطلب صاحب القصر لأنها لم تعد تهتم لما يحدث حولها وصارت كجسد بدون روح. حملت الأطباق وبتوجيه من أمينة القصر عرفت طريق صالة الطعام حيث ينتظرها صاحب القصر. ولما استأذنته بالدخول وأذن لها فاذا به شاب وسيم حسن الخلقة ينظر إليها مبتسما وهو يجلس على مائدة الطعام. فحيته الأميرة وقدمت له الطعام وهمت بمغادرة الصالة
فنادى عليها وقال لها : ألم تعرفيني. فأجابته بالنفي وأنها لأول مرة تراه. 
فقال لها : سأخبرك بأمر وأريد منك أن تتمالكي نفسك لأن الأمر الذي سأخبرك به قد أخفيته عنك طيلة هذه المدة، زوجك الراعي هو نفسه أنا السيد مالك. 
لم تستوعب الأميرة ما قاله وظنت أنه يمازحها، فتابع كلامه قائلا: نعم أنا صاحب القصر وقد تظاهرت أنني راعي غنم وقد غيرت من شكلي وكنت أرتدي ملابس رثة وأطيل من لحيتي، وسأحكي لك ما وقع من البداية. 
أنا هو ذلك الأمير الذي تقدم لخطبتك وكان أبوكي السلطان يمني النفس أن تقبليني زوجا لك، لكنك رفضتني واستهزأتي بشكلي رغم أنه لم يكن يعيبني أي شيء والحمد لله. فلما هممت ساعتها بالمغادرة تفاجأت بأبيك السلطان وهو ينادي علي، فاعتذر مني لفعلتك، وهنا خطرت في بالي فكرة وطرحتها على أبيك السلطان وهي أن أتنكر بصفتي راعي غنم وأتقدم لخطبتك وهو سيمهد لي الوضع ليتم هذا الزواج ووعدته بأنني سأعتني بك لكن بعد أن أعيدك إلى جادة صوابك وأنزع منك الكبر والعجرفة التي كانت تغشى على بصيرتك. فوافق أبوكي السلطان على فكرتي وأثنى عليها. 
<><>




وبعدها تزوجتك وكنت أسايسك شيء فشيء حتى تستأنسي رفقتي وتتخلي عن التكبر الذي بداخلك لكنك لم تستوعبي الدرس وأردت أن تجعليني أنفر منك بأفعالك فارتأيت أن أجعلك تعملين بالقصر علكي تتوبين وتعلمي أن الأفعال الخبيثة تنقلب على صاحبها. وبعد انقضاء مدة عملك بالقصر وخروجك استحسنت تصرفاتك وصرت شيء ما تتحملين بعضا من مسؤولياتك كزوجة، فظننت أنك قد استوعبت الدرس وكنت عاقدا العزم ساعتها على اخبارك بالحقيقة فلما طلبتي مني أن تزوري قصر أبيك قررت أن أؤجل الأمر إلى ما بعد عودتك. فلما حصل ما حصل وادعيت أنني ساحر وأصبوا إلى الحاق الأذى بك وبوالدك السلطان، أرسل السلطان إلي بالخبر فقررت أنا وأبوكي السلطان أن نفعل ما فعلناه وتركت الأغنام أمانة عندك وادعيت أنني هربت حتى أرى صدقك هذه المرة بالاعتناء بقطيع الأغنام وقد اتضح لي أخيرا أنك عدت إلى جادة الصواب وندمت على كل ما اقترفته وما زاد أكدلي ذلك هو تحملك لأفعالك عندما قررت تضحيتكي بنفسك والعمل في القصر كخادمة لمدة عشر سنوات. والآن أعلنها أنني سامحتك وستعيشين أميرة في قصري. وكان السلطان حاضرا في القصر ويستمع لحديثهما فدخل عليهما، فلما شاهدته الأميرة ركضت في اتجاهه وقبلت يديه وقالت له : سامحني يا والدي فأنا التي كنت أظن أنك زوجتني لراعي غنم لتنتقم مني ومن أفعالي الصبيانية بيد أنك زوجتني لخيرة الناس 
وأنا أعاهدكما الله أنني ومن اليوم فصاعدا لن أتكبر أو أستعلي على أحد مهما كان وضعه وسأكون لزوجي خير رفيقة و زوجة ما حييت. وكانت أفضل أيام عاشتها زهرة هي التي قضتها مع زوجها الأمير مالك وأنجبا أطفالا سعد بهم السلطان كثيرا وصارت قصتهما مضربا للمثل في عصرهما.



تعديل المشاركة
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة